تقرير لواشنطن بوست يفجر معلومات صادمة عن لجنة “أبو رغيف”
كشف تحقيق اجرته صحيفة واشنطن بوست، أن لجنة 29 أو “زائر الليل” بقيادة الفريق أحمد “أبو رغيف” في الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي قامت بالاعتداء الجنسي وتعذيب من اعتقلتهم وصولا لحالات قتل في بعض الأحيان.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الامريكية في تحقيق أجرته ترجمه أنباء نت ان “حملة مكافحة الفساد التي شنها رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، المدعوم من الولايات المتحدة، لجأت الى اساليب الاحتجاز والعزل والتعذيب والعنف الجنسي بحق معتقلين من كبار المسؤولين العراقيين ورجال الاعمال، لانتزاع الاعترافات منهم”.
وأضافت الصحيفة الامريكية أن “تحقيقاتها الصحفية استغرقت 9 أشهر، وكان محورها حملة المداهمات التي حظيت باهتمام اعلامي واسع في أواخر العام 2020، وطالت منازل شخصيات عامة مشتبه بتورطها بالفساد، ونفذتها اللجنة الدائمة للتحقيق في الفساد والجرائم المهمة، والمتعارف عليها باسم “اللجنة 29″ وذلك باشراف الفريق احمد طه هاشم، الملقب بـ(ابو رغيف)، وصار يطلق عليه (زائر الليل)”.
وبينت تحقيقات الصحيفة ان “ما حدث مع الرجال الموقوفين خلف الابواب المغلقة، كان سوداويا بدرجة كبيرة، حيث جرت العودة الى استخدام الاساليب القديمة البشعة من جانب جهة أمنية تعهد الكاظمي نفسه بان يعمد الى معالجة “انتهاكاتها”، مبينة أن “تحقيقاتها استندت إلى أكثر من 20 مقابلة اجرتها، بما في ذلك خمسة اشخاص كانت اللجنة اعتقلتهم، واشخاص من أُسر سجن افرادها، بالاضافة الى مقابلات مع 11 مسؤولا عراقيا وغربيا كانوا يتابعون عمل اللجنة”.
وأظهرت تحقيقات الصحفية أن “عمليات اساءة واذلال حصلت، وان التحقيقات ركزت على انتزاع اعترافات مكتوبة مسبقة بدلاً من التحقيق والمساءلة حول عمليات الفساد التي حصلت”.
وينقل التقرير عن أحد المعتقلين سابقا قوله ان فترة الاعتقال “كانت شكلا من انواع التعذيب كافة ..الكهرباء ، الخنق بأكياس بلاستيكية، وعلقت من يدي بالسقف. لقد خلعوا ملابسنا وامسكوا بأجزاء من اجسامنا تحتها”، فيما لفت التقرير الى وجود حالة وفاة واحدة على الاقل تتعلق بالمسؤول السابق قاسم حمود منصور الذي اعتقلته اللجنة، حيث تظهر من الصور التي عرضتها أُسرته عددا من الاسنان التي تم تكسيرها، وان هناك علامات لضربة حادة على جبهته”.
ولفتت الصحيفة الامريكية في تحقيقاتها بأنها “المحاولة الاكثر شمولا وتوثيقا حول القضية، بينما ظلت المزاعم حول الانتهاكات الكثيرة بمثابة سر متداول بين الدبلوماسيين في بغداد خلال العام الماضي، ولم يفعل المجتمع الدولي الكثير من اجل متابعتها، في حين ان مكتب رئيس الحكومة السابق، سعى الى التقليل من اهمية الاتهامات برغم ان لجنة برلمانية كانت تحدثت للمرة الاولى عن اتهامات التعذيب في العام 2021، وتناولتها وسائل الاعلام العراقية بشكل متقطع”.
وذكر التقرير بأن “العراق خسر أكثر من 320 مليار دولار بسبب الفساد منذ العام 2003، وفقا لتقديرات لجنة النزاهة البرلمانية، وذلك بسبب نظام التوافق بين الاحزاب وتقاسم الموارد”، مضيفا انه في غالب الاحيان، ينظر الى المسؤولين الذين تم اعتقالهم من جانب (اللجنة 29) باعتبار انهم من الاهداف السهلة حيث انه ليس لديهم حلفاء اقوياء ليدافعوا عنهم”.
واشار التقرير الى “شبهات الفساد لاحقت بعض المعتقلين طوال سنوات، الا ان سرية عمل اللجنة والغموض الذي شاب الاجراءات القانونية، جعلت من المستحيل تحديد حجم الاعتقالات التي كانت تمت بطريقة مشروعة، اذ يقول باحثون ان بعض الاعتقالات جرت بدوافع سياسية، لان بعض المستهدفين كانت لهم ارتباطات بالفصائل التي هددت المكاسب السياسية للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وهو احد الداعمين الرئيسيين للكاظمي”.
ونقل التقرير عن مسؤول عراقي كبير عمل في حكومة الكاظمي، قوله ان “هناك عنصر ابتزاز سياسي يؤدي دورا في ذلك”، مضيفا انه كانت هناك “حالات حدثت فيها عمليات ابتزاز. فانت تهاجم قاعدة القوة لشخص ما، وقاعدة قوتهم التجارية، في وكالة حكومية محددة، لا بغرض توجيه الاتهام الى هؤلاء الاشخاص وكشف الفساد، وانما ايضا لفتح المساحة (امام دخول) جماعتك مستقبلا”.
وبعدما ذكر التقرير بصعود الكاظمي الى الحكم والدعم الذي حظي به من واشنطن والمجتمع الدولي، نقل عن مسؤول غربي كبير قوله “اظن اننا غفرنا له كثيرا لأننا قلنا: حسنا ماذا بإمكانك ان تفعل؟ … هو صاحب نية حسنة على الاقل ولديه النسب الصحيحة وعندما تلتقي به، فانه يقول الاشياء الصحيحة”.
وأشار التقرير الى أن “أفراد الدائرة المقربة من الكاظمي غادروا معظمهم بغداد بعدما خرج من منصبه في ظل فضيحة فساد تورط فيها رئيس مكتبه واثارت هزة في العراق، في حين من غير المعروف مكان رئيس الحكومة السابق”.
ونقل التقرير عن مستشار كبير سابق للكاظمي، متحدثا شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية القضية، قوله انه “ينفي بشكل حاسم المزاعم حول حدوث انتهاكات”، مضيفا ان “الحكومة العراقية السابقة التزمت بمعايير حقوق الانسان بعملها”.
ولفتت الى ان “تشويه الوقائع سيتيح لبعض المجرمين الافلات من العقاب”، مذكراً أن “اللجنة استهدفت ايضا اعضاء في الميليشيات”.
وقال التقرير الامريكي ان “ابو رغيف رفض التعليق” على هذه التحقيقات الصحفية.
تعذيب وعنف جنسي
ونقل التقرير عن أُسر شخصيات اعتقلتها لجنة مكافحة الفساد انهم “لم يتمكنوا من تحديد اماكن احتجاز اقاربهم لعدة اسابيع، فيما يقول معتقلون سابقون انهم كانوا يخضعون للاحتجاز في حالات كثيرة في زنازين صغيرة داخل مبنى في مطار بغداد تحت ادارة جهاز مكافحة الارهاب، الذي تدربه الولايات المتحدة، والذي عادة ما يقوم بمهمات اعتقال واستجواب من يشتبه بانهم من الارهابيين”.
ووفقا للتقرير نقلا عن اثنين من مسؤولي جهاز مكافحة الارهاب، فان قادة الجهاز “لم يكونوا راضين عن استخدام منشاتهم، الا انه لم تتوفر لديهم السلطة للتدخل لأنهم تحت سلطة مكتب رئيس الحكومة”.
وقال التقرير ان مراسل “واشنطن بوست” شاهد الجنود الامريكيين في مجمع مطار بغداد في كانون الثاني/يناير العام 2021، اي خلال الفترة التي يعتقد ان الانتهاكات كان تجري خلالها، وهو ما يشير الى ان “القوات الامريكية كانت على علم بما كان يجري هناك”.
ونقل التقرير عن مسؤولين عراقيين في مكافحة الارهاب قولهم ان “نظرائهم الامريكيين عبروا عن المخاوف المتعلقة باستخدام منشآت الاحتجاز للقيام بعمليات استجواب ليست متعلقة بالارهاب”.
وعندما سألت “واشنطن بوست” المتحدث باسم القيادة المركزية الامريكية جو بوتشينو عما إذا كانت قوات التحالف مطلعة على الانتهاكات، او ما اذا كانت اعربت لنظرائها العراقيين عن مخاوفها ازاء ما يجري، قال انه “ليس لديه معلومات ليقدمها”.
والى جانب منشآت المطار، نقل التقرير عن معتقلين سابقين ان “انتهاكات اخرى حصلت في سجن تحت الارض في المنطقة الخضراء في بغداد”، حيث قال شخص اعتقلته اللجنة في مستهل حملة المداهمات، ان المحققين “بدأوا بتعذيبي لمدة 13 يوما، وسألوا لمن قدمت الرشاوى وكمية المال الذي املكه، وطلبوا مني 1.5 مليون دولار، وقلت انني لا استطيع ان ادفع لان اموالي كانت مجمدة في مشاريع، ولهذا بدأوا بصعقي بالكهرباء في منطقة القضيب وضربي بقضبان معدنية وعلقوني على الحائط”.
ولفت التقرير الى “اطلاعه على صور وسجلات طبية لبعض الحالات وليس كلها”، مؤكدا أن “بعض الاشخاص تحدثوا عن عصب عيونيهم وتعرضهم للصعق الكهربائي والضرب بالعصي واسلوب التعذيب بالايهام بالغرق وجرى تجريدهم من ملابسهم”. كما تحدث شخصان على الاقل عن “تعرضهما لاساءات جنسية”.
كما تحدث مسؤول عراقي سابق رفيع المستوى لاحد اقاربه وزملائه انه “تم اجباره على الجلوس على جزء من محرك سيارة وهو فعل بحسب القانون الجنائي العراقي، بمثابة عملية اغتصاب شرجية”.
ونوه التقرير الى ان “لجنة برلمانية تمثل عدة احزاب، سبق لها ان خلصت في اذار/مارس، الى اتهامات التعذيب تتمتع بالمصداقية، وان اعضاء اللجنة تمكنوا من دخول مركز الاحتجاز بالمطار في كانون الاول/ديسمبر 2020، لكنها لم تتمكن من الوصول الى المحتجزين وحدها، بمن فيهم نائب مدير مطار النجف السابق جواد عبد الكريم الكرعاوي (54 سنة) الذي قال اقاربه وثلاثة معتقلين سابقين، انه تعرض لعمليات تعذيب قاسية”.
وذكر التقرير أن “الرجل الذي قاد حملة مكافحة الفساد (ابو رغيف) يعتبر شخصية معروفة في وزارة الداخلية، وهو محاور اساسي مع حكومات الغرب والامم المتحدة، طوال فترة حكم الكاظمي، وعُرف انه محارب شرس ضد الجريمة، وتدور حوله شائعات بانه نجا من 13 محاولة اغتيال”.
وبرغم ذلك، نقل التقرير عن الباحث في معهد “سينشوري انترناشيونال” الامريكي سجاد جياد قوله ان “انجازات اللجنة بشكل عام، ليست كبيرة”، مشيرا الى ان “مكافحة الفساد كانت اكثر ما تتباهى به حكومة الكاظمي وان انتزاع واسترداد الاموال كانت اكثر اهمية بالنسبة اليها من اظهار انها تلاحق الفساد فعلياً”.
وبيّن التقرير انه “لم يتم الكشف عن المبالغ المالية الاجمالية التي استولت عليها اللجنة”، فيما نقل عن معتقل سابق قوله ان “المحتجزين المشبوهين اُبلغوا في بداية التحقيق معهم ان دفع المال أو التنازل عن الاصول، والمقدرة في احيان كثيرة بملايين الدولارات، سيؤدي الى تسهيل إطلاق سراحهم، وليس من الواضح عدد الاشخاص الذين تمكنوا من دفع بدل مالي من اجل اطلاق سراحهم او الى اين وصلت اموالهم”.
وأوضح تقرير “واشنطن بوست” أنه “برغم كون واشنطن تعتبر لاعباً اساسياً في السياسة العراقية منذ غزو العام 2003، فان القادة العراقيين استغلوا احيانا جهل او لامبالاة الحلفاء في واشنطن، عبر استغلال وعود الاصلاح من اجل اضطهاد خصومهم”.
ونقل التقرير عن المتحدث الامريكي نيد برايس تعليقا حول الاتهامات بالانتهاكات من جانب “اللجنة 29″، قوله ان “الفساد عائق كبير امام الفرص الاقتصادية.. ونحن نحث قادة العراق على بذل جهود في اطار قانوني واحترام سيادة القانون وحقوق الانسان”.
وتحدث التقرير عن أن “أُسر المعتقلين كانت تثير قضية الشبهات بوقوع الانتهاكات طوال العام 2021، وتبادلوا هذه الوقائع مع بعثة الامم المتحدة والسفارات الغربية في بغداد”.
واضاف انه “خلال نقاش خاص مع دبلوماسيين غربيين ومسؤولين في الامم المتحدة، كان الكاظمي ينفي الاتهامات ويتعهد بانه سيتصرف في حال توفرت ادلة على وقوع انتهاكات”، مشيرا الى ان “الناشط في حقوق الانسان علي البياتي عندما تحدث عن هذه الانتهاكات خلال برنامج تلفزيوني في العام 2020، تمت ملاحقته بعد عام بتهمة التشهير من قبل امانة مجلس الوزراء، وهو ما اجبره على الهروب من البلاد”.